سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


المعنى {قال} الله لهذا النبي الداعي {عما قليل} يندم قومك على كفرهم حين لا ينفعهم الندم، ومن ذكر {الصيحة} ذهب الطبري إلى أَنهم قوم ثمود، وقوله {بالحق} معناه بما استحقوا من أَفعالهم وبما حق منا في عقوبتهم، والغثاء ما يحمله السيل من زبده ومعتاده الذي لا ينتفع به فيشبه كل هامد وتالف بذلك و{بعداً} منصوب بفعل مضمر متروك إظهاره ثم أخبر تعالى عن أنه أنشأ بعد هؤلاء أمماً كثيرة كل أمة بأجل في كتاب لا تتعداه في وجودها وعند موتها و{تترا} مصدر بمنزلة فعلى مثل الدعوى والعدوى ونحوها، وليس تترى بفعل وإنما هو مصدر من تواتر الشيء، وقرأ الجمهور {تترا} كما تقدم ووقفهم بالألف، وحمزة والكسائي يميلانها، قال أبو حاتم هي ألف تأنيث، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {تتراً} بالتنوين ووقفهما بالألف وهي ألف إلحاق قال ابن سيده يقال جاءو تَتْراً وتِتْراً أي متواترين التاء مبدلة من الواو على غير قياس لأن قياس إبدال الواو تاء إنما هو في افتعل وذلك نحو اترز واتجه، وقوله {أتبعنا بعضهم بعضاً} أي في الإهلاك، وقوله {وجعلناهم احاديث} يريد أحاديث مثل، وقلَّما يستعمل الجعل حديثاً إلا في الشر.


{ثم} هنا على بابها لترتيب الأمور واقتضاء المهلة، والآيات التي جاء بها {موسى} و{هارون} هي اليد والعصا اللتان اقترن بهما التحدي وهما السلطان المبين، ويدخل في عموم اللفظ سائر آياتهما كالبحر والمرسلات الست، وأما غير ذلك مما جرى بعد الخروج من البحر فليست تلك لفرعون بل هي خاصة ببني إسرائيل. والملأ هنا الجمع يعم الأشراف وغيرهم، و{استكبروا}، معناه عن الإيمان بموسى وأخيه لأَنهم أنفوا من ذلك، و{عالين}، معناه قاصدين للعلو بالظلم والكبرياء، وقوله {عابدون} معناه خامدون متذللون، ومن هنا قيل لعرب الحيرة العباد لأَنهم دخلوا من بين العرب في طاعة كسرى، هذا أَحد القولين في تسميتهم والطريق المعبد المذلل وعلو هؤلاء هو الذي ذكر الله تعالى في قوله {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً} [القصص: 83] و{من المهلكين} يريد بالغرق.


{الكتاب} التوراة، و{لعلهم} يريد بني إسرائيل لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون والقبط، والترجي في لعل في جيز البشر أَي كان من فعلنا معهم ما يرجو معه ابن آدم إيمانهم وهداهم والقضاء قد حتم بما حتم، و{ابن مريم}، عيسى عليه السلام وقصتهما كلها آية عظمى بمجموعها وهي آيات مع التفصيل وأخذها من كلا الوجهين متمكن، و{آوى} معناه ضم واستعمل اللفظة في الأماكن أي أقررناهما، والربوة المرتفع من الأرض، وقرأ جمهور الناس {رُبوة} بضم الراء، وقرأ عاصم وابن عامر بفتحها وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن، وقرأ ابن عباس ونصر عن عاصم بكسرها، وقرأ محمد بن إسحاق {رُباوة} بضم الراء، وقرأ الأشهب العقيلي بفتحها، وقرأت فرقة بكسرها وكلها لغات قرئ بها، والقرار، التمكن فمعنى هذا أَنها مستوية بسيطة للحرث والغراسة قاله ابن عباس، وقال قتادة القرار هنا الحبوب والثمار، ومعنى الآية أنها من البقاع التي كملت خصالها فهي أَهل أَن يستقر فيها وقد يمكن أَن يستقر على الكمال في البقاع التي ماؤها آبار فبين بعد أَن ماء هذه الربوة يرى معيناً جارياً على وجه الأرض قاله ابن عباس وهذا كمال الكمال، والمعين، الظاهر الجري للعين فالميم زائدة وهو الذي يعاين جريه لا كالبئر ونحوه، وكذلك أدخل الخليل وغيره هذه اللفظة في باب. ع، ي، ن، وقد يحتمل أن تكون من قولهم معن الماء إذا كثر، ومنه قولهم المعن المعروف والجود، فالميم فاء الفعل، وأنشد الطبري على هذا قول عبيد بن الأبرص:
واهية أو معين ممعن *** وهضبة دونها لهوب
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله هاجر لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً»، وهذا يحتمل الوجهين، وهذه الربوة هي الموضع الذي فرت إليه مريم حين استحيت في قصة عيسى عليه السلام وهو الذي قيل لها فيه {قد جعل ربك تحتك سريا} [مريم: 24] هذا قول بعض المفسرين واختلف الناس في موضع الربوة فقال: ابن المسيب سعيد: هي الغوطة بدمشق وهذا أشهر الأقوال لأن صفة الغوطة أنها {ذات قرار ومعين} على الكمال، وقال أبو هريرة هي الرملة من فلسطين وأسنده الطبري عن كريب البهزي عن النبي عليه السلام، ويعارض هذا القول أن الرملة ليس يجري بها ماء البتة وذكره الطبري وضعف القول به، وقال كعب الأحبار الربوة بيت المقدس وزعم أن في التوراة أن بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء وأنه يزيد على أَعلى الأرض ثمانية عشر ميلاً.
ع ويترجح أن الربوة بيت لحم من بيت المقدس لأن ولادة عيسى هنالك كانت، وحينئذ كان الإيواء، وقال ابن زيد الربوة بأرض مصر وذلك أنها رُبا يجيء فيض النيل إليها فيملأ الأرض ولا ينال تلك الربا وفيها القرى وبها نجاتها ع ويضعف هذا القول أنه لم يرو أَن عيسى عليه السلام ومريم كاناً بمصر ولا حفظت لهما بهما وقوله {يا أيها الرسل}، يحتمل أن يكون معناه وقلنا يا أيها الرسل فتكون هذه بعض القصص التي ذكر وكيفما حول المعنى فلم يخاطبوا قط مجتمعين، وإنما خوطب كل واحد في عصره، وقالت فرقة: الخطاب بقوله {يا أيها الرسل} لمحمد عليه السلام، ثم اختلفت فقال بعضها: أقامه مقام الرسل كما قال: الذين قال لهم الناس، وقيل غير هذا مما لا يثبت مع النظر، والوجه في هذا أن يكون الخطاب لمحمد وخرج بهذه الصيغة ليفهم وجيزاً أن هذه المقالة قد خوطب بها كل نبي أو هي طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها وهذا كما تقول لتاجر يا تجار ينبغي أن تجتنبوا الربا فأنت تخاطبه بالمعنى، وقد اقترن بذلك أَن هذه المقالة تصلح لجميع صنفه، وقال الطبري: الخطاب بقوله {يا أيها الرسل} لعيسى، وروي أنه كان يأكل من غزل أمه، والمشهور عنه أَنه كان يأكل من بقل البرية، ووجه خطابه لعيسى ما ذكرناه من تقدير لمحمد صلى الله عليه وسلم، و{الطيبات} هنا الحلال ملذة وغير ذلك، وفي قوله {إني بما تعلمون عليم} تنبيه ما على التحفظ وضرب من الوعيد بالمباحثة صلى الله على جميع رسله وأنبيائه وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8